عدد قليل من الدول الأوروبية أبدى استعداده لاستقبال بعض اللاجئين الضعفاء
العراقي المهاجر .. بين التوطين والعودة
الإنسان العراقي يعيش أزمة كبيرة وحقيقية، فالكثير من العراقيين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا مأوى مشردين، ما اضطرهم إلى مغادرة بلدهم والنزوح إلى بلدان مجاورة، أملاً في الحصول على فرصة للتوطين في البلاد الأوروبية من خلال مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بفرعيها في الأردن وسورية، حيث يوجد أكبر عدد من اللاجئين العراقيين، ولكن هل حقيقة إن الدول الأوروبية تمنح لجوءاً للعراقيين؟
أيمكن استيعاب الأعداد الكبيرة من العراقيين التي تسعى للهجرة في البلاد الأوروبية، أم أن العراقي يظل بين أمل الهجرة والتوطين، أم أن الخيار الصعب، وهو العودة للعراق في ظل الظروف الحالية هو الخيار الوحيد؟
أعضاء الاتحاد الأوروبي ال27 أبدوا معارضتهم لفكرة توطين عدد من اللاجئين العراقيين الموجودين حالياً في الأردن على أراضيهم، في إطار سياسة "إعادة التوطين" التي ترغب في تطبيقها المفوضية الأوروبية والأمم المتحدة؛ حيث قال وزير الداخلية الألماني "فولفغانغ شويبله"، الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي غداة لقائه نظراءه الأوروبيين في لوكسمبورج: "بالمال اللازم لإعادة توطين شخص واحد في أوروبا يمكننا مساعدة عشرة أشخاص على الأقل حيث هم"، أي يجب حل المشكلة في مكانها، وأعلن المفوض الأوروبي المكلف بشؤون الهجرة "فرانكو فراتيني" أن عدداً قليلاً من الدول أبدى استعداده لاستقبال عدد محدود من اللاجئين الضعفاء (نساءً وأطفالاً) وأضاف: "إنه في الوقت الراهن لا توجد سوى لدى ست أو سبع دول (دول شمال أوروبا بشكل رئيس) سياسة إعادة التوطين على نطاق محدود"، مشيراً إلى رغبته أن يبلور دول الاتحاد "سياسة أوروبية" إزاء هذا الملف.
وخفف أحد الخبراء الأوروبيين من أهمية الجدل الدائر حول هذا الملف، واصفاً إياه بأنه "رمزي"، وقال المفوض الأعلى في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "حتى لو كان هناك برنامج أوروبي لإعادة التوطين فنحن نتحدث عن عشرة آلاف أو اثني عشر ألف شخص كحد أقصى"، في حين أن هناك نحو مليوني لاجئ عراقي في سورية والأردن من دون الحديث عن عدد مماثل من النازحين داخل العراق نفسه.
وتعتقد الأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين أن أحد الأسباب التي جعلت السويد تسجل النسبة الأعلى في طلبات العراقيين للجوء إليها (9000 طلب من أصل عشرين ألفاً في الاتحاد الأوروبي في 2006م و4800 طلب في 2007م) هو حصولهم بشكل شبه تلقائي على وضع اللاجئ وفقاً لمعاهدة جنيف ما يمنحهم قدراً من الطمأنينة لجهة فترة إقامتهم ولجهة الحقوق الاجتماعية الممنوحة لهم.
وتنخفض هذه النسبة إلى 25 % في هولندا في حين لا توفر اليونان وألمانيا (التي استقبلت في 2006م ألفي طالب لجوء عراقي)، وفرنسا (استقبلت مائة فقط) لهؤلاء اللاجئين إلا قدراً بسيطاً من الحماية التي تسمى (استدراكية)، والتي تنحصر في سماح هذه الدول للاجئين بالإقامة على أراضيها؛ ويقول أحد الخبراء: "إنها أيضاً مسألة سياسية"، مشيراً إلى أن منح صفة اللجوء وهي صفة دائمة يعني الاعتراف بأن العراق سيبقى غير مستقر لسنوات، ولمساعدة الدول الأعضاء مثل السويد التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين العراقيين قررت المفوضية الأوروبية منحها نحو سبعة ملايين يورو، وسبق لبروكسل أن منحت سورية والأردن ولبنان أحد عشر مليون يورو وأبدت استعدادها لتقديم عشرة ملايين يورو إضافية إذا تفاقمت أحوال اللاجئين.
وسمح مؤتمر دولي عقد في جنيف بتغطية الحاجات المالية لمفوضية اللاجئين بالنسبة للاجئين العراقيين والتي تقدر بنحو ستين مليون دولار (44 مليون يورو).
وأمام تفاقم أزمة اللاجئين العراقيين زارت الممثلة الأمريكية "أنجلينا جولي" العراق باعتبارها سفيرة النوايا الحسنة، في الأمم المتحدة، وحذرت من أن استمرار أزمة اللاجئين والنازحين العراقيين قد يهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم بأسره، داعية الحكومة الأمريكية إلى مساندة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لمعالجة تلك الأزمة؛ جاء ذلك في لقاء خاص أجرته معها شبكة CNN الأمريكية عقب لقائها مع مسؤولين أمريكيين وعراقيين، من بينهم: نوري المالكي، ووزير الهجرة والمهجرين العراقي عبدالصمد سلطان، وقائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال "ديفيد بتريوس". وقالت جولي: إنها قررت زيارة بغداد للحصول على أجوبة للأسئلة المطروحة حول أزمة النازحين داخل العراق وخارجه خصوصاً في ظل انعدام أي وجود لمفوضية اللاجئين داخل الأراضي العراقية، على حد قولها، وشددت "جولي" على ضرورة قيام الأمم المتحدة بالتحرك بفاعلية أكبر داخل العراق وخارجه لمعالجة تلك الأزمة، من خلال فتح مكاتب تابعة لها في المناطق العراقية لإجراء مسح لأعداد النازحين وتسجيلهم في قوائم خاصة، وكشفت "جولي" عن أنها حثت الخارجية الأمريكية على تحقيق هدفها المعلن والذي يقضي بإعادة توطين 12000من النازحين واللاجئين العراقيين في الولايات المتحدة بحلول شهر أكتوبر القادم.
الواقع يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ غزوها للعراق لم تعطِ أي عراقي حق اللجوء إليها باستثناء حالات فردية؛ بل إن الكثير من اللاجئين العراقيين في الدول العربية يرفض الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها سبباً رئيساً لما حل بالعراق من كوارث ومآسٍ.
وأمام ذلك نجد الإعلام العراقي التابع للحكومة يسلط الضوء على رجوع الكثير من العراقيين إلى العراق كدليل على التحسن الأمني. والحق هو ما أكدته مصادر عراقية في العاصمة السورية من أن أحاديث بعض الأوساط الإعلامية عن عودة العراقيين من سورية إلى بلدهم كانت مضخمة، وأن الكثير ممن غادروا إلى العراق في الآونة الأخيرة عادوا مجدداً إلى سورية، وقالت أوساط سياسية عراقية: إن الأحاديث عن عودة واسعة النطاق إلى العراق في الأشهر الأخيرة هي محض دعاية هدفها الإيحاء بأن الخطة الأمنية نجحت، في حين أن الأوضاع لم تتغير، وآلاف العراقيين يموتون نتيجة التفجيرات العشوائية، ولم تنكر هذه الأوساط عودة عشرات الآلاف، بسبب تخصيص رحلات مجانية إلى العراق، غير أنها أكدت أن معظم الذين توجهوا إلى العراق عادوا إلى سورية مجدداً بحثاً عن الأمان الذي يفتقدونه في العراق، وحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن 46% من العائدين إلى العراق قرروا ذلك لأسباب مادية، وعاد 25% بسبب قوانين الإقامة الجديدة في سورية، فيما عاد14% بسبب قناعتهم بتحسن الأوضاع الأمنية.
وكان اللواء قاسم عطا المتحدث باسم خطة "فرض القانون"، قد أعلن أن 46 ألف مواطن عادوا إلى العراق في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، بمعدل 1600 شخص يومياً، وهو رقم هزيل بالنسبة لعدد العراقيين الموجودين في سورية، وقال لطيف الجنابي مالك إحدى شركات السفر العراقية في دمشق: إن عدد الحافلات المتوجهة من دمشق إلى بغداد لا يتجاوز الحافلتين يومياً، إذ ترفض الكثير من العائلات العودة، مؤكدة أن الأسباب التي أجبرتها على مغادرة العراق لا تزال موجودة، وكانت مفوضية اللاجئين أعلنت استعدادها لمساعدة العائدين بشكل طوعي، إلا أنها أعربت عن اعتقادها بأن العودة الواسعة النطاق ليست ممكنة إلا بتوفير الدعم المادي والسلامة البدنية في ظل وضع أمني هش! وأكدت تقارير مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الموجودة في سورية أن من يخرج من النقاط الحدودية من العراقيين يدخل مقابله ثلاثة أضعاف رغم الإجراءات الجديدة والضوابط التي وضعتها الحكومة السورية للحد من تزايد عدد المهاجرين من العراقيين للأراضي السورية، الجدير بالذكر أن العراقيين الذين عادوا بالحافلات المجانية التي وفرتها حكومة المالكي قد تم ختم جوازاتهم بالمنع من السفر خارج العراق لمدة خمس سنوات، وفي ذلك دلالة واضحة على رغبة الحكومة بمنع هؤلاء العراقيين من السفر والهجرة مرة أخرى خارج العراق والقيام بتصفيتهم داخله، وهذا ماحدث لكثير من العراقيين الذين اختفوا بمجرد دخولهم الأراضي العراقية ولا يعرف مصير الكثير منهم.
وهكذا يبقى الفرد العراقي المهاجر بين خيارين أحلاهما مرٌّ، انتظار التوطين والبقاء في دول الجوار مع نفاد المدخرات وقلة فرص العمل، أو العودة إلى بلده حيث المصير المجهول.
عن مجلة المجتمع